أم السعد| شيخة القراء في زمانها
Am Al Saad | The teacher of Quran readers in her time
من هي أم السعد؟
أم السعد هي الضريرة التي عاشت واحد وثمانون عامًا في خدمة القرآن الكريم حفظًا وتلاوة وتدريسًا.
هي أم السعد محمد على نجم، ولدت أم السعد عام 1925 ونشأت ابنة لأسرة فقيرة انحدرت من قرية البندارية إحدى قرى مدينة المنوفية (شمال القاهرة)، وعاشت بحارة الشمرلي بحي بحري في الأسكندرية، وأتمت حفظ القرآن في الخامسة عشر من عمرها، وتُعَد أشهر امرأة في عالم قراءات القرآن الكريم، فهي السيدة الوحيدة التي تخصصت في القراءات العشر، وظلَّت طوال نصف قرن تمنح إجازاتها في القراءات العشر.
كيف فقدت بصرها؟
أصيب أم السعد في عينيها وهي طفلة لم تتجاوز عامها الأول، ولم يكن لدى أهلها القدرة وربما الوعي لعلاجها لدى الأطباء، فلجئوا إلى الكحل والزيوت وغيرها من وصفات العلاج الشعبي التي ذهبت ببصرها مثلما حدث مع آلاف الأطفال آنذاك.
رحلة أم السعد مع القرآن
بعد فقدان بصرها كرسها أهلها لخدمة القرآن الكريم حتى حفظت القرآن الكريم في مدرسة (حسن صبح) بالإسكندرية في الخامسة عشرة، وحصلت من شيختها نفيسة على إجازات في القراءات العشر وهي بنت الثالثة والعشرين.
تقول الشيخة (أم السعد): إنها حين أتمت حفظها للقرآن الكريم بقراءاته العشر كان عدد الحفاظ قليلاً، ولم يكن هناك مذياع أو تليفزيون، فكان الأهالي يستعينون بها مثل شيختها في قراءة القرآن في المناسبات والاحتفالات الدينية، وكان مقبولاً وقتها أن تقرأ امرأة القرآن الكريم وتجوِّده في حضور الرجال الذين كانوا –كما تروي- يمتدحون حُسن قراءتها وجمال تجويدها.
وتقول أيضًا واصفة علاقتها بالقرآن: ستون عامًا من حفظ القرآن وقراءته ومراجعته جعلتني لا أنسى فيه شيئًا، فأنا أتذكر كل آية وأعرف سورتها وجزءها وما تتشابه فيه مع غيرها، وكيفية قراءتها بكل القراءات، أشعر أنني أحفظ القرآن كاسمي تمامًا لا أتخيل أن أنسى منه حرفًا أو أخطئ فيه، فأنا لا أعرف أي شيء آخر غير القرآن والقراءات، لم أدرس علمًا أو أسمع درسًا أو أحفظ شيئًا غير القرآن الكريم ومتونه في علوم القراءات والتجويد، وغير ذلك لا أعرف شيئًا آخر.
اعتزاز أم السعد بنفسها
تقول أم السعد بنفس تكسوها العزة والرضا: من فضل ربي أن كل من نال إجازة في القرآن في الإسكندرية بأي قراءة إما يكون قد حصل عليها مني مباشرة، أو من أحد الذين منحتهم إجازة.
وتؤكد اعتزازها بأنها السيدة الوحيدة –في حدود علمها– التي يسافر إليها القراء وحفظة القرآن من أجل الحصول على إجازة في القراءات العشرة.
وتذكر أن أكثر ما يسعدها أن مئات الإجازات التي منحتها في القراءات العشرة يبدأ سندها (تسلسل الحفاظ) باسمها، ثم اسم شيختها المرحومة (نفيسة) ليمتد عبر مئات الحفاظ وعلماء القراءات بمن فيهم القراء العشر (عاصم، نافع أبو عمرو، حمزة، ابن كثير، الكسائي، ابن عامر، أبو جعفر، يعقوب، خلف) إلى أن ينتهي بالرسول المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-.
زواج أم السعد
كانت الشيخة نفسية معلمة أم السعد قد اشترطت عليها قبل أن تقبل بتلقينها القراءات العشر ألا تتزوج وتنشغل عن القرآن، وقد وافقت حينها علي شرط شيختها، ولكن لم تسر الأمور كما ترغب الشيخة نفسية وتزوجت أم السعد بتلميذها الأول الشيخ محمد فريد نعمان الذي كان قبل وفاته منذ خمس سنوات أشهر القراء في إذاعة الإسكندرية وهو صاحب أول إجازة تمنحها (أم السعد)،
تقول عن قصة زواجها: لم أستطع الوفاء بالوعد الذي قطعته لشيختي (نفيسة) بعدم الزواج، كان يقرأ علي القرآن بالقراءات، ارتحت له، وكان مثلي ضريرًا وحفظ القرآن الكريم في سنّ مبكرة، درَّست له خمس سنوات كاملة وحين أكمل القراءات العشر وأخذ إجازاتها طلب يدي للزواج فقبلت.
واستمر زواجهما أربعين سنة كاملة لم تنجب فيها أولادًا، وتعلق رحمها الله قائلة: الحمد لله، أشعر بأن الله تعالى يختار لي الخير دائمًا، ربما لو أنجبت لانشغلت بالأولاد عن القرآن وربما نسيته.
كيف كانت تقضي أم السعد يومها
كانت أم السعد رحمها الله تقضي يومها كامل في تعليم الطلاب وتحفيظهم كتاب الله عز وجل، وكانت تخصص لكل طالب وقتًا لا يتجاوز ساعة في اليوم يقرأ عليها الطالب ما يحفظه فتصحح له قراءته جزءاً جزءاً حتى يختم القرآن الكريم بإحدى القراءات، وكلما انتهى من قراءة منحته إجازة مكتوبة ومختومة بخاتمها تؤكد فيها أن هذا الطالب (خادم القرآن) قرأ عليها القرآن كاملاً صحيحًا دقيقًا وفق القراءة التي تمنحه إجازتها..
وكانت تبدأ دروس النساء والبنات من الثامنة صباحًا وتمتد إلى الثانية ظهرًا، ثم تبدأ دروس الرجال حتى الثامنة مساءً لا يقطعها سوى أداء الصلوات وتناول وجبات خفيفة لتتمكن الشيخة من الاستمرار.
أشهر تلاميذ أم السعد
تردد علي أم السعد الكثير من الطلاب من جميع الأعمار، والتخصصات، والمستويات الاجتماعية والعلمية (كبار وصغار، رجال ونساء، مهندسون، وأطباء، ومدرسون، وأساتذة جامعات وطلاب في المدارس الثانوية والجامعات… إلخ) لحفظ القرآن الكريم ونيل إجازات القراءات .
ومن مشاهير من منحتهم الإجازة:
- القارئ الطبيب أحمد نعينع” الذي قرأ عليها وأخذ عنها.
- فضيلة الشيخ “مفتاح السلطني” والذي أجازته الشيخة في القراءات العشر وحفص من الطيبة.
وكذا عدد من أساتذة وشيوخ معهد القراءات بالإسكندرية، والذين لا يعطون إجازة في حفظ القرآن إلا ويضعون اسمها في أول السند المتصل إلى النبي.
علاقة أم السعد بتلاميذها
كانت في حياتها رحمها الله لا يدخل أحد حارة الشمرلي بالأسكندرية، وسأل عن الشيخة حتى تسابق الجميع ليدل علي شقتها المتواضعة، بحفاوة بالغة فهي الشخصية التي يعتزون بها ويقولون إنها اسم على مسمى.
يروي من درسوا على يدها أنها كانت من أرفق المعلمين بطلابها، حتى إنهم ذكروا لها ذلك ذات مرة، فقالت: إنها في صغرها عانت من شدة بعض من درّسوا لها في المدرسة، وكانت ترتاع منهم، فأخذت عهدًا على نفسها أن تتلطف مع من يحفظ معها.
وتقول عن تلاميذها: أتذكر كل واحد منهم، هناك من أعطيته إجازة بقراءة واحدة، وهناك -وهم قليلون- من أخذوا إجازات بالقراءات العشر مختومة بختمي الخاص الذي أحتفظ به معي دائمًا، ولا أسلمه لأحد مهما كانت ثقتي فيه.
وتضيف: بعضهم انشغل ولم يَعُد يزرني، لكن معظمهم يتصل بي أو يأتي لزيارتي والاطمئنان عليَّ بين الوقت والآخر.
وفاة أم السعد
توفيت أم السعد رحمها الله عام 9 أكتوبر 2006 عن عمر يناهز الواحد والثمانون عامًا.
رحم الله الشيخة رحمة واسعة وجعل القرآن شفيعًا لها في الآخرة.
لمزيد من المقالات تصفحي معنا موقع جريدة حواء
ناقشي الكاتبة إيمان سلامة
تابعونا علي صفحة جريدة حواء علي الفيس بوك
اقرئي أيضا من هي كليوباترا التي كادت أن تسقط عرش الرومان مرتين