اضطراب الشخصية الحدية وأعراضه وأسباب تطوره وطرق التشخيص والعلاج
اضطراب الشخصية الحدية هو تحدي نفسي معقد يتسم بنمط مضطرب من التفكير والسلوك يؤدي بصاحبه إلى علاقات متعثرة وتحديات في التكيف مع الحياة اليومية، ويتسم الأفراد المصابون بهذا الاضطراب بالعديد من الأعراض، مثل التقلب السريع بين الأفكار المتفائلة والسلوكيات الانفعالية.
يتطلب فهم هذا الاضطراب الاطلاع على أسبابه وتأثيراته، فضلاً عن استكشاف السبل التي يمكن من خلالها تقديم الدعم والمساعدة للأفراد المتأثرين به.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
اضطراب الشخصية الحدية، المعروف أيضًا بـ TPB أو اضطراب الشخصية الحدية النفسية، يعد أحد اضطرابات الشخصية والسلوك، ويمكن أن يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية للفرد المصاب به.
إذ يتسم بعدم استقرار صاحبه في العلاقات والانفعالات، ويظهر الفرد ميولًا للاندفاع والتقلبات المزاجية، مما يؤدي إلى تحديات في بناء العلاقات وفهم الذات، ويمكن أن يتسبب الاضطراب في مشاكل في التفاعل الاجتماعي والمهني، مما يتطلب عادةً دعمًا نفسيًا وعلاجيًا للتحكم في الأعراض وتعزيز الاستقرار النفسي.
أعراض اضطراب الشخصية الحدية
أعراض اضطراب الشخصية الحدية قد تتضمن:
- تقلبات المزاج الحادة: يعاني المصاب بتغيرات مكثفة في المزاج، مما يؤدي إلى تجارب عاطفية متقلبة.
- خوف من الهجر والتخلي: يشعر الشخص بقلق متكرر من الهجر وخوف من فقدان العلاقات القريبة، مما يؤدي إلى سلوكيات تجنب والتمسك الشديد بالعلاقات.
- تفاعلات عاطفية مبالغة: كاعطاء ردود فعل عاطفية مفرطة على الأحداث، قد تتراوح بين الانفعالات القوية والعزل العاطفي.
- صعوبات في التحكم بالغضب: صعوبة في التحكم في الانفعالات السلبية والغضب.
- هوية ذاتية غير ثابتة: يواجه المريض صعوبة في تحديد الهوية الذاتية، مما يمكن أن يؤدي إلى تغيرات كبيرة في الاهتمامات والقيم.
- الخواء الداخلي: كالشعور بالفراغ الداخلي وعدم الارتياح مع الذات، مما يمكن أن يؤدي إلى البحث المستمر عن هوية.
- انتقاد الذات المفرط: انتقاد شديد للنفس والشعور بالعجز أو القلق بشأن الفشل.
- ميول إلى السلوك الاعتمادي: الاعتماد الشديد على الآخرين لتلبية الاحتياجات العاطفية والذهنية.
- عدم الاستقرار في العلاقات: يواجه الفرد المصاب صعوبة في الحفاظ على علاقات ثابتة وصحية، مع ميلاً للانفصال العاطفي.
- تغيرات سريعة في التفكير: تقلبات في الرؤية والتفكير، وقدرة متقلبة على التكيف مع التحديات الحياتية.
- سلوكيات متطرفة: ميل إلى السلوكيات المتطرفة أو الاعتماد المفرط على الآخرين لتحقيق الهوية الشخصية.
تلك الأعراض قد تتفاوت في الشدة وتأثيرها على حياة الفرد، ويعتبر الدعم النفسي والعلاج المهني ضروريين للتعامل مع هذا الاضطراب.
عوامل تكوين اضطراب الشخصية الحدية
عوامل تكوين اضطراب الشخصية الحدية تتضمن:
- الوراثة والجينات
وجود عوامل وراثية يمكن أن يزيد من احتمالية تكوين اضطراب الشخصية الحدية، فالجينات قد تلعب دورًا في تحديد الحساسية للبيئة وكيفية استجابة الشخص للتجارب الحياتية.
- تجارب الطفولة
التعرض للإهمال أو الاعتداء في سنوات الطفولة قد يلعب دورًا في تكوين الحدية.
- البيئة العائلية
عوامل مثل عدم الاستقرار الأسري أو العنف يمكن أن تؤثر سلبًا على تكوين الشخصية.
أسباب تطور اضطراب الشخصية الحدية
أسباب تطور اضطراب الشخصية الحدية تتضمن:
- التجارب الحياتية الصعبة: مواجهة تحديات كبيرة في الحياة، مثل فقدان أحد الأحباء أو تغيرات مهمة، يمكن أن تسهم في تطور الحدية.
- التفاعل مع الضغوط النفسية: التعامل مع ضغوط نفسية مستمرة، سواء كانت من العمل أو العلاقات، قد تلعب دورًا في تطوير الحدية.
- التفاعل مع العلاقات العاطفية: العلاقات العاطفية القوية أو الصعوبات المستمرة في التفاعل مع الآخرين يمكن أن تؤثر على تطور الحدية.
- التحولات في مراحل الحياة: التغيرات الطبيعية في مراحل الحياة، مثل مرحلة البلوغ أو التقاعد، يمكن أن تؤثر على نمط الشخصية.
- التفاعل مع البيئة الاجتماعية: تأثير التفاعل مع البيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة يمكن أن يلعب دورًا في تكوين وتطور الحدية.
تلك العوامل تشير إلى كيفية تطور اضطراب الشخصية الحدية على مر الوقت، بناءً على تفاعل الفرد مع تحدياته وتجاربه الحياتية.
تشخيص اضطراب الشخصية الحدية
تحديد التشخيص يتم بعناية من قبل مختص الصحة النفسية، ويتم بعدة خطوات تتضمن:
- التقييم النفسي: مقابلات ومحادثات مع مختص الصحة النفسية لفهم سلوكيات الفرد ونمط تفكيره.
- المعايير التشخيصية الدولية: مقارنة الأعراض مع المعايير التشخيصية المعترف بها دوليًا، ويتم بواسطة طبيب معالج مختص.
- تحليل التاريخ النفسي: فحص التاريخ النفسي للمريض؛ لفهم التجارب السابقة وتأثيرها على الشخصية.
- استبعاد الأمراض الأخرى: التأكد من عدم وجود أمراض أخرى تسبب أعراضًا مشابهة.
هل يوجد علاج نهائي لاضطراب الشخصية الحدية؟
مع الأسف اضطراب الشخصية الحدية لا يُعتبر عادةً قابلًا للشفاء النهائي بشكل تام، ولكن يمكن إدارته وتحسين جودة حياة الفرد من خلال العلاج النفسي والدعم المناسب وتطوير الذات.
طرق إدارة اضطراب الشخصية الحدية
- العلاج النفسي
يشمل العلاج النفسي كلًا من:
-
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يقوم به المعالج النفسي لمساعدة المريض في تغيير الأنماط السلوكية والتفكيرية الخاصة به.
- العلاج الدعمي: يتم بوجود دعم عاطفي ونفسي من المحيطين، وبالتالى المساعدة في التعامل مع التحديات اليومية.
- العلاج الدوائي: وهذا يحدده المعالج المختص وفقًا لحالة المريض.
- تطوير الوعي الذاتي
التفاعل مع مشاعرك وتفكيرك بشكل واعٍ، وفهم كيفية تأثيرها على سلوكك.
- تحسين مهارات التواصل
تعلم كيفية التفاعل مع الآخرين بشكل صحيح وفعّال، وتحسين العلاقات الاجتماعية.
- تطوير مهارات التحكم
تعلم كيفية التحكم في ردود الفعل العاطفية والتحكم في الأفكار.
- العناية بالصحة العقلية
ممارسة الرياضة بانتظام والحفاظ على نمط حياة صحي، يساعد كثيرًا في تحسين جودة العقل وبالتالي جودة الحياة.
- التعامل مع التوتر والضغط
تعلم تقنيات التفريغ العاطفي والتحكم في مستويات التوتر.
- التركيز على النمو الشخصي
بوضع خطط لتحقيق الأهداف الشخصية والنمو الشخصي.
- تطوير مهارة حل المشكلات
طرق دعم مصابي اضطراب الشخصية الحدية
تأثير طرق الدعم في حالات اضطراب الشخصية الحدية يتجلى في تحسين التكيف الاجتماعي والعاطفي للمريض عبر تقديم دعم عاطفي مستمر وفهم شامل لتحدياتهم، كما أن الجلسات العلاجية توفر بيئة آمنة لاستكشاف الأفكار والمشاعر، وتقديم الأدوات لتعزيز تطوير الهوية وتحقيق التوازن النفسي. بالإضافة إلى ذلك، يلعب التواصل الفعال مع الأهل والأصدقاء دورًا حيويًا في بناء رحلة الشفاء وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية، ولا ننسي تقديم الآمان للمصاب والتأكيد الدائم أننا متواجدين دومًا حولهم ولن نتخلي عنهم.
قصص نجاح في التعافي من اضطراب الشخصية الحدية
هناك العديد من القصص لأشخاص وصلوا لمراحل متقدمة في الشفاء من اضطراب الشخصية الحدية، ولكن سأكتفي بذكر قصة واحدة حتي لا أطيل عليكم أعزائي.
قصة بسمة
بسمة تعافت من اضطراب الشخصية الحدية بعد رحلة طويلة استمرت خمس سنوات، وتتذكر تلك الرحلة قائلة “كانت رحلة صعبة، أصعب ما فيها هو القبول، أن أقبل أني تعرضت لإساءه المعاملة في الطفولة لم يكن أمرًا سهلاً، أن أقبل أني مررت بصدمات صعبة من مقريبن مني كان منوطًا بهم حمايتى كان أمرًا موجعًا ومعقدًا”.
كما كان الالتزام بحضور الجلسات أمرًا صعبًا للغاية، خصوصًا في ظل التوقعات غير المنطقية بشأن مدة العلاج، فبحسب بسمة “كنت أتوقع أن يستمر العلاج لسنة واحدة على الأكثر وبعدها أشعر بالتحسن وأكف عن زيارة الطبيب، لكن ما كان يحدث معي هو أني كنت أتحسن جدًا ثم أعود وانتكس بشكل كبير، بسبب كلمة صغيرة أو تعليق من شخص لا أعرفه أو موقف يبدو للآخرين بسيط”.
الإدراك كان أيضًا واحدًا من الصعوبات التى واجهتها بسمة في رحلة علاجها، تقول “كلما فهمت حالتى وما حدث معي، تألمت أكثر، ففي السنوات الثلاث ونصف الأولى من العلاج كنت أشعر بالألم في كل مرة أزور فيها الطبيب لمساعدتي في فهم حالتي، لكن نهاية الرحلة كانت تستحق كل هذا الألم”
تقول بسمة أكثر ما ساعدها على التعافي من الاضطراب كان الحديث عنه، وتضيف ” المشخصون باضطراب الشخصية الحدية دائمًا موصومين وهذا كان السبب وراء أن أصر على التحدث عن الموضوع، وأن أوصل رسالة أننا بخير وأني لم أكن مسؤولة أنه لم تكن لدي طفولة جيدة”.
بدأت بسمة بكتابة يوميات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بشأن اضطراب الشخصية الحدية، تحدثت فيها بانفتاح عن مشاعرها و تطور حالتها، كما شاركت نصائح قدمها لها الطبيب النفسي على أمل أن يستفيد منها آخرون.
وتقول “كانت تصلني رسائل على الخاص من أشخاص يعانون في صمت و يسألون عن اسم طبيبي، عن خطوات للتعامل مع القلق المصاحب للاضطراب، كانوا أحيانا يسألون عن ما كنت أشعر به وما إذا كان ظهرت علي نفس الأعراض في السابق”.
وتصف بسمة أن الوصول لهذه المرحلة من التصالح من الاضطراب لم تكن سهلة، فكانت رحلة مداواة بالحب حيث تخلصت من شعورها بالغربة، وأصبحت قادرة على تكوين صداقات ساعدتها على تجاوز الرحلة الشاقة، ولم تعد كما كانت تبعد عن المحيطين بها خوفا من أن يقرروا البعد عنها، كما كان زوجها داعمًا كبيرًا خلال تلك الفترة حتى تجاوزتها.
في النهاية يا أعزاء يتعين علينا أن ندرك أن كل فرد يحمل قصة فريدة، ورغم التحديات التي يواجهها الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب، يمكننا جميعًا أن نساهم في بناء جسور التفاهم والدعم لبعضنا البعض، لنكن أذنًا صادقة لأصواتنا، ولنعزز ثقتنا في إمكانية التحسين والشفاء، ولا ننسي أن الفهم والرعاية الدائمة قد يكونان هما المفتاح لتغيير حياة الأفراد المتأثرين بهذا الاضطراب.
وكما تقول بسمة في قصتها ” أننا بخير وأني لم أكن مسئولة أنه لم تكن لدي طفولة جيدة”، دعونا نقول جميعًا للمصابين حولنا وحتي أنفسنا إذا ثبت أننا نعاني من هذا الإضرطراب أنها لم تكن مسئوليتنا أننا تعرضنا لأخطاء طورت لدينا أضطراب مثل هذا، ولكن بلا شك محاولة التعافي هي مسئوليتنا، التي لا يجوز التخلي عنها.
لمزيد من المقالات تصفحي جريدة حواء
لأي استفسارات اسالينا من خلال صفحة جريدة حواء علي الفيس بوك