سيكولوجية الشك : أنواع الشك ونشأت الفلسفة الشكية
كل منا يفكر كيفما يتنفس نشك و ننتقد، لكن هل نطرح الأسئلة بشكل منطقي و منهجي؟ لذلك لابد لنا أن نفهم أولا ما هي أنواع الشك الفلسفي و أي نوع أفضل في منهجيته.
فلاحظت أنه دائما عندما نسأل الشخص الشاك عن الهدف أو الغاية التي من أجلها يمارس الشك، فالإجابة من الناحية الفلسفية لن تخرج عن أحد الرأيين التاليين:-
- إما أن الشخص يشك حباً للشك في ذاته وسعياً وراء تقويض أية حقيقة ممكنة.
- أو أنه يشك مؤقتاً في الحقيقة تمهيداً للتوصل بعد ذلك إلى الحقائق اليقينية الثابتة..
أي أن هناك نوعين من الشك هما شك مذهبي دائم، وشك منهجي مؤقت..
الفرق بين الشك المنهجي والشك المذهبي
الشك المذهبي -الشك الذي يبدأ بالشك وينتهي بالشك-
ويتصف بالخصائص التالية:
- مذهبي: لأن صاحبه يتخذه مذهباً لنفسه في التفكير والحياة.
- دائم: لأن صاحبه يظل معتنقاً له عن اقتناع بصحته دون التفكير في تغييره، خاصة بعد أن أصبح مذهباً عند صاحبه.
- هدف في ذاته: إذا كان هذا الشك عن صاحبه مذهباً محدداً وكان أيضاً دائماً لا يتغير فهذا يعنى أن الشك يصبح حينئذ هدفاً مطلوباً في ذاته.
- يؤدى إلى الشك: مادام الشك هدفاً في ذاته، فإن ذلك يعنى أن ممارسة هذا الشك لا يؤدى إلى نتيجة جديدة خلاف الشك نفسه.
- هدام: وتعتبر هذه الخاصية نتيجة حتمية للخصائص السابقة، حيث لابد أن يتصف هذا النوع من الشك بالهدم فقط دون البناء.
ولي في ذلك نظرية مختلفة و هي أن الشك المذهبي مجرد أداة إذا كانت هدامه مثلا فذلك لا يدل على فساد الأداة بل سوء استخدامها.
الشك المذهبي مثال:-
يقول أستاذ جامعي:”طول عمري بشك في صحة الأحداث التاريخية وحتى لو جبتلي ألف دليل بردو هفضل غير متأكد”، عندما بدأ بالشك وأنتهى بالشك ليس لعدم المعرفة مثلا بل لأنه وضع المذهب والهدف هو الوصل لعدم التأكد.
قالت إحدى مريضات الكبد:”الدكتور ده أنا شاكه في كل شهادات التقدير اللي معلقها على الحيطه ومهما جاب أدلة هفضل مش مرتاحاله لإن يمكن الجهة اللي مكرماه بتنصب أو سبب تاني عقلي مش قادر يتصوره”.
الشك المنهجي
ويتصف بالخصائص التالية:
- شك منهجي: لأن صاحبه يتخذه منهجاً فقط للتفكير، دون أن يتمسك به مذهباً.
- شك مؤقت: إن كل منهج للتفكير لابد أن يكون استخدامه مؤقتاً لحين تحقيق أهدافه المرجوة منه، أما المذهب فيبقى دائماً لأنه مطلوب في ذاته.
- وسيلة: كل منهج يعتبر في نفس الوقت وسيلة، مؤقتة فالشك هنا وسيلة مؤقتة لتحقيق أهداف أبعد منه وأعلى.
- شك يؤدى إلى اليقين: يعتبر هو الهدف الأساسي الذى نسعى إليه من استخدامنا لوسيلة الشك المؤقت.
- شك بناء: هذه نتيجة حتمية مترتبة على الخصائص السابقة، إذ طالما الشك المنهجي يستهدف اليقين، فهو إذن شك بناء نافع للفرد والمجتمع معاً.
الشك المنهجي مثال:-
حينما نشك في صحة حقيقة تاريخية ثم نبحث بمنهجية ونقرأ الراي والرأي الآخر فنصل ليقين.
يقول أحد المواطنين:” أنا مش عارف مين اللي وحد بنى الأهرامات يمكن الزنوج الأفارقة”، ثم يبحث هذا الرجل في صفحات التاريخ فيعرف أن بناة الأهرامات هم المصريون القدماء وأن الدراسات العلمية للجينوم المصري تؤكد أن البناة مصريون وليسوا زنوج.
نسمع كثيرا:”أكيد الوزير فلان لص عشان كده اقتصادنا ضعيف”، فنفتح تحقيقا عادلا، لنعرف أن سبب ضعف الاقتصاد هو قلة الموارد الطبيعية وتدهور الصناعة وليس لصوصية من الوزير.
نشأت الفلسفة الشكية في الفلسفة اليونانية القديمة.
السفسطائيون اليونانيون في القرن الخامس قبل الميلاد كانوا في الأغلب شكليون.
البيروونية كانت مدرسة من مدارس الشكية، أسسها أنيسيديموس في القرن الأول قبل الميلاد وسجلها سيكستوس إمبيريكوس في أواخر القرن الثاني أو أوائل الثالث الميلادي.
كان أول مناصريها هوبيروو الإيلي ، الذي سافر وكان مهتما بالعلم، الأمر الذي أوصله إلى الهند ، وقد تبنى مذهب الشكية “العملية” ؛ على إثر ذلك، طور كل من أرسيسيلاوس (315-241ق.م)وكارنيدس (213-129 ق.م)، طورا في “الأكاديمية الجديدة” منظورات تقتضي بأن الصح والخطأ المطلقان لا بد من دحضهما على أساس اللايقين. كارنيدس انتقد آراء الدوغماتيين، خصوصا الرواقيين، مؤكدا أن التأكد المطلق من معرفة يعد أمر مستحيل.
كل أنواع الشك لا غنى عنها في المناهج الفكرية و البحثية ، الشك المذهبي او السفسطائي أنا لا أعتبره مدمر بل استخدامنا نحن الفاسد و سوء فهمنا له هو من أساء الفكرة السائدة عن ذلك المنهج العظيم.
هل الشكاك مريض ؟
كونك متشككًا هو فن وحيد إلى حد ما. غالبًا ما يخلط الناس بينك وبين شخص ساخر ، وأنا بالطبع لا أستخدم أيًا من المصطلحين بالمعنى الفلسفي الكلاسيكي. في اليونان القديمة كان المتشائمون أناسًا يرغبون في العيش في وئام مع الطبيعة ، رافضين الخيرات المادية . المعادل الغربي للرهبان البوذيين ، إذا صح التعبير. من ناحية أخرى ، كان المشككون فلاسفة ادعوا أنه بما أنه لا يمكن معرفة أي شيء على وجه اليقين ، فإن الشيء العقلاني الوحيد الذي يجب فعله هو تعليق الحكم على كل شيء. ليس هذا ما أتحدث عنه.
اقراء أيضا: